دفاتر مايا .. لجوانا حاجي توما وخليل جُريج .. عزف جديد على ترنيمة حرب قديمة
21 Mar, 2021 | سينما
برلين – « الثقافية »
رشا حسني *
استنادًا على المراسلات الخاصة بالمخرجة جوانا حاجي توما تنطلق أحداث الفيلم اللبناني دفاتر مايا أو Memory Box الذي شاركها في إخراجه زوجها خليل جريج وكان الفيلم العربي الوحيد المشارك في المسابقة الرسمية للدورة 71 من مهرجان برلين السينمائي الدولي، التي انعقدت افتراضيًا في الفترة من 1 وحتى 5 مارس.
تتناول أحداث الفيلم ومن خلال علاقة ثلاثة أجيال ما بين الجدة والأم مايا والحفيدة أليكس الموضوع المهيمن على معظم الأفلام اللبنانية وهو الحرب الأهلية وتأثيرها على من عايشوها. تتضح معالم الحكاية بعد وصول طرد إلى منزل مايا عشية عيد الميلاد يحوي مراسلات مايا القديمة التي تبادلتها مع صديقتها ليزا التي توفت في حادث، تتعرف أليكس على والدتها التي تكتشف أنها لم تكن تعرف عنها شيئًا وتتعرف على جدتها وعلى عائلتها والأهم على لبنان، ذلك البلد الذي تسمع عنه فقط ولكنها في حقيقة الأمر لا تعرفه.
تتعرف على ماضي والدتها من خلال التعرف على ماضي المدينة بيروت وتكتشف العلاقة ما بين المدينة وما حدث بها وما بين والدتها وما أصبحت عليه. تكتشف أليكس من خلال المراسلات كيف بدلت الحرب الأهلية وجه لبنان الباسم الحالم والمتفائل إلى وجه عابث وغاضب وأخيرًا يصعب رؤية أو استشفاف أية ملامح للمستقبل من خلاله، وهو الأمر الذي دفع مايا على سبيل المثال لترك بيروت والسفر بعيدًا في محاولة للتخلص من آثار تلك الحرب على روحها وعلى عائلتها وللبحث عن فرصة جديدة لمستقبل لا تتخلله الحرب أو الألم.
تميز الفيلم بطريقة سرده للأحداث التي تمزج ما بين الماضي المتمثل في الأرشيف السمعي البصري للأم وما يحمله من مشاعر فرحة متفائلة في البداية، تلك المشاعر التي صاحبت مايا وصديقاتها خلال اختبارهن للحياة وللحب ثم اختبارهن للألم أيضًا بعد ضياع الحب ثم الوطن وما بين الحاضر المتمثل في تلك الحياة الجليدية الجافة بين مايا وابنتها أليكس والتي تتحول شيئًا فشيئًا بعد اقناع أليكس لوالدتها بأن تشاركها تجربتها الحياتية وأن تفتح جروح ذلك الماضي في محاولة منها ربما لتغيير شكل مستقبل علاقتهما.
كما تميز الفيلم بتجنب عرض مشاهد الحرب اللبنانية المعتادة والمألوفة والاستعاضة عنها بلمحة فانتازية ظهرت تحديدًا في علاقة الحب الأول لمايا مع الشاب رجا، على سبيل المثال في المشهد الذي كانا يتبادلان فيه القبلات في سيارة رجا على خلفية صوت التفجيرات، ظل صوت التفجيرات يتصاعد ثم بدأنا نرى الدخان الناتج عنها على هيئة تكوينات ملونة ظلت تقترب منها حتى كونت في النهاية هالة متعددة ومتداخلة الألوان حولهما، لم تكن رمادية اللون كما هي في الواقع ولكنها كانت ملونة ربما أضفت على المشهد شيء من الرومانسية على العكس من إحساس الخوف أو الذعر الذي كان من المفترض أن تسببه تلك التفجيرات، وهو الأمر الذي تكرر في المشهد الذي كان يجمعهما أيضًا على دراجة رجا البخارية بينما كان يغمرهما الحب في نفس الوقت الذي تلاحقهما فيه من الخلف شكل أشبه بكرة الثلج تكونت نتيجة للانفجارات تكبر شيئًا فشيئًا وتكاد تنقض عليهما.
من بين أهم ما يمكن أن نلاحظه في فيلم دفاتر مايا هو التأكيد على أهمية ما تمثله الذاكرة لنا كأفراد أو حتى كشعوب، فذاكرة مايا التي حُفظت من خلال دفاترها القديمة هي التي ربطت ما بين ماضيها وما بين حاضرها، هي التي أعادت تكوين وتشكيل علاقتها بابنتها وبمدينتها الأم بيروت حينما عادت إليها في نهاية الأمر ولو حتى في زيارة سريعة، ولكن عند مواجهة تلك الذاكرة تغلبت على خوفها وحزنها وربما غضبها وكل المشاعر السلبية التي تكونت نتيجة لتلك الحرب واستطاعت أن تعود وتستمتع ببقايا هذا الماضي أو على الأقل الجزء الجميل منه عندما التقت أصدقائها وحبها الأول، عندما اصطحبت معها ابنتها وكونت ما يشبه الرابط بين تلك الفتاة وبين أصلها وجذورها المتمثلة في بيروت.
ينتهي الفيلم بمجموعة مشاهد متفائلة جدًا لأبطال الفيلم الذي استطاعوا تجاوز مأساة الحرب الأهلية اللبنانية وتأثيرها الفادح ليؤكد على حقيقة لا شك فيها وهي قدرة الشعب اللبناني على الاستمرار مسلحين برغبتهم الشديدة في الحياة والاستمتاع بها.
تطلب الجدة من أليكس أن ترسل لها صورة للشمس في بيروت وهو ما تفعله أليكس بالفعل، ليكون ذلك المشهد ربما أملًا جديًدا بتجاوز لبنان ما تمر به وبعودتها لبهائها القديم.
*رشا حسني – ناقدة سينمائية مصرية
Continuando a navigare il sito si accetta l'utilizzo dei cookie. | By continuing to browse the site you are agreeing to our use of cookies.Ok