لاهاي – ( هولندا ) – ( إيطاليا الثقافيّة ) –

منفى

شعر – محمد الأمين الكرخي

في غمرة العواصف الثلجية، قصدنا الصيدلية لشراء السّم


لكن المبلغ لم يكُ كافياً لشراء حبات تُجهز على حياتنا

فصمّمنا أَنْ نركض في الأزّقة والشوارع حتى نبلغ الصيف


لكن العواصف كانت أَسرع منّا

لذا قررنا أَنْ نزحف أَميالاً نحو البحر


بكينا بحرقةٍ في الحسينيات والمساجد، استغثنا برُقيّة وزينب وفاطمة ونرجس

لا من نار الآخرة

إنّما من جحيم الدنيا


من الغربة العميقة

من البئر الذي يلتهم رسائلنا


من بلادنا التي تطفو مثل جثّة طفلٍ ميّتٍ هناك في نهاية الخارطة


طاردنا بالشتائم رجلًا أربعينياً وصفنا بالجلجامشيّين الجُدُدْ من باب حسن النيّة

ما لنا وجلجامشَ

نحن لا نبحث عن الخلود 
ولا عن العشبة النادرة


نريدُ أَنْ نُزيل سمّ الكهنة من أجسادنا
في البئر الذي نحن فيه


يمدّون إلينا حبلاً يُفضي إٍلى مقصلة

في الصحراء التي فينا يزودونا بمرايا تضاعف السراب

على أَطراف المدينة بحيرةُ الملح، يقودوننا إليها عنوة لنستحم بأجسادنا

المثخنة بالجراح


لديهم تعاويذ تطرد النجوم من السماء


ولا وردة واحدة تجرؤُ على المجيء إلينا
اللواتي زوّدناهنّ بأرقام هواتفنا


يجلسن على الضفاف يتدفّأن بأخشاب قوارب مكسورة

هكذا تخيلنا المنظر حين أَطَلَّتْ إحداهنّ وقالت بنبرة صارمة


نحن نُقيم في قارّة لا تُحيطها البحار ولا تَشُقّها الأنهار


في كتاب من صفحتين مكرّرتَيْن آلاف المرّات

صحراءٌ وليلْ

أَسلاكٌ شائكةٌ حول القفص


أَجنحة مقصوصةٌ في داخله.
آجُرّات إسمنتية داخل اللوحة


أَسماء مقدسة للمستنقع
لا حدائق للجيران .
صالة سينما وحيدة يرى فيها الأباءُ فيلماً وثائقياً عن جثث الأبناء
المفقودون عادوا من الحرب لرعاية أُمهات عمياوات


لتأمّلِ الزهايمر الذي في رؤوس آبائهم .
قضينا الليل في عرس الأسير العائد

ظهيرة اليوم التالي حضرنا تشييع جنازته تحت أَسواط شمسٍ كافرة


لا زوجته باكر ولا هو قادر على شيء


لهذا انتحر مرتين : أشعل النار في السرير وشنق نفسه جواره
فعلانِ فقط يحقق بهما المرء كينونته


الجنس أو الانتحار
هكذا ينال المرء حصّةً من الضوء


الآخرون يحملون في رؤوسهم أَكياس زبالةٍ لجمع الحسنات


يدخرونها من أَجل شققٍ فارهة في الجنة.
فعلان فقط يحقق بهما المرء كينونته


الجنس أو الانتحار .
لم نكن نتوقع، صاروخا يَفِدُ من مسقط الرأس

ويسقط جوار مدرستنا
في ستادٍ مغلقٍ منذ قرون.

قفزنا من النوافذ

تاركين المعلمَ وحدَه

ليس هناك أكثرُ سخفا من مادة الأحياء

في مكان بلا مطر ووردة


في مكان بلا كورنيش وواحة


في مكان بلا أَزقة تُفضي نحو النهر


في مكان لم يُنجِبْ عاشقا ينتحر


أَو عاشقةً تهرب مع حبيبها إلى بلدٍ آخر
إجتزْنا جدار المدرسة وامتطيناه

ضربناه بالأحذية ولم يحرك ساكنا

بصقنا عليه وشتمنا المعتوهين الذين أطلقوه نحونا
طوّقَنا رجال أمنٍ وجوههم ملائكية

وأيديهم لم يمسّها الماء

ضربونا طوال النهار بأحذيتنا


فعدنا حفاةً الى بيوتنا فخورين بصنيعنا


لم نضاجع فتاة في المنفى الذي هناك


لكننا امتطينا صاروخا لم ينفجر
ضربناه وشتمناه

هكذا اجتزنا سن المراهقة


صنعنا من أشرطة صفيحية سيفاً للعاشق

شجّعناه على الكف عن البكائيات

صفقنا له بحرارة وقرأنا له بصوت عال قصائدَ حماسية

حتى أتْمَموا على ظهره مائة جلدة.
قرأنا عبارة العبد الحقير


في نهاية رسائل كهنة مصابين بداء العظمة


إكتشفنا مقابر جماعية لنساء من صلب رجل واحد.


ألقينا التحية على أربعين شقيقة يتقاسمن ضريحاً واحداً .

بين الضريح والجُنينة ممرٌ للراجلين


يفضي الى أزقة ضيقة

والأزقة تصب في «حفرة كاظم»* الهائلة .

* حفرة كاظم : ضاحية فقيرةٌ من ضواحي مدينة قم الإيرانية