الرياض – ( إيطاليا الثقافيّة )

خالد ربيع السيد

 بهذه العبارة التي وردت في العنوان أعلاه؛ نستطيع أن نفهم توجه لولوة الحمود ،احدى رائدات الفن المعاصر في الخليج العربي، ومن الفنانات السعوديات المتميزات في التعبير الإبداعي عبر توظيف الهندسة والأشكال المجردة التي تبتكرها بجرأة صادمة، والتي تسعى من خلالها إلى إيجاد رؤية أكثر عمقاً في القواعد الخفية للإبداع الفني؛ وذلك فق نمط رياضي مدروس ومختبر وغلفه الكثير من التفكير والبحث والاستقصاء المعرفي، فجاء في أحد مساراته باستخدام شكلانية حروف اللغة العربية، والاشكال المنتظمة المتداخلة، في سياق فكري يتماهى مع الطبيعة، ويجمع بين الفن والعلم والفكر.

من يُبحر في عالم الفنانة لولوة سيجد أنها تحفر في أساليب الفن المعاصر بالانفتاح على تجريب وتسخير التقنيات الالكترونية الحديثة والمبتكرة، وكذلك في استخدام الخامات غير المعتادة، إنها تشكّل الحروف أو تستخدم أجزاءً منها في صنع أعمال فنّية ذات تصاميم بسيطة وثنائية الأبعاد، مركّزة بشكل كبير على مضمون الفكرة الفنية التي ينطلق منها العمل. 

أدوات تقليدية وغير ذلك

وبالإضافة إلى ذلك، فهي تستخدم الأدوات التقليدية مثل الفرش والسكين تكوين الحبر والطلاء، وأيضاً توظف الورق وألواح البلاستيك، بيد أنها تستخدم أيضاً برامج الرسومات الرقمية لتطوير أشكال جديدة غير معتادة في الفن التشكيلي أو التصميمي الجرافيكي، أو لتنفذ أعمالها التي تمثل فكرها وقناعاتها بشكل غير مسبوق؛ وفي هذا تقول الفنانة: «اخترت فناً يعبر عن إيماني، لا مشاعري؛ هناك فن وقتي يعبر عن مشاعر وقتية، وآخر أزلي يجسد ديمومة الخالق وعلاقة الروح بخالقها». وهذا ما أحاول الوصول اليه والاشتغال عليه.

إذن سنلاحظ أن أسلوب لولوة الحمود، إبنة مدينة الرياض، يعتمد على توليفة من الأشكال والخطوط والحروف العربية والأشكال الهندسية المتداخلة  والألوان الغنية والمواد الحسية في لغة جمالية مبهجة؛ بل ومذهلة، ولهذه الغاية فهي تستعين بوسائل الإعلام المختلطة (ملتي ميديا) وبالزخرفات الهندسية كأدوات تزيد من جمالية تعبيراتها الفنية التي تنحاز في أعمالها إلى الهندسة الخطية والفراغية؛ باعتبارها منهلاً خصباً يتيح لها التجديد في التكوينات التجريدية التي تبتكرها؛ وتمكّنها من تحويلها إلى تركيبات معقدة متشابكة ملتحمة توحي بالخلود وتعطي إحساساً بالتوازن الثابت.

المضمون الفنّي عندها ذو طابع مفهومي وروحاني على حدٍ سواء. إذ يمكن لأي عمل من أعمالها الفنية أن يعبّّر عن موضوع فلسفي بوصفه أنطولوجيا (مختارات من الوجود)، أو كمضمون سيميائي؛ يمثل كيفية عمل النماذج الفنية لتقديم دلالات ضمن نظام معين، بحيث يشكّل ذلك انعكاساً لمعتقداتها الدينية ذات الدلالات العميقة.

الوجود والإيمان

اختارت عنوان «أنطولوجيا» (Ontology) لأحد معارضها، الذي اتخذ موضوع الفلسفة موضوعاً رئيسياً، الفلسفة الأنطولوجيّة (الاختيارية الوجودية)، وعن ارتباط هذا المفهوم بعملها الفني، تقول لولوة : «أنا مهتمة جداً بالفلسفة فقد درست العلوم الاجتماعيّة والفلسفة، لكنني لا أنوي الاستغراق في الجانب الفلسفي أكثر من ذلك؛ إذ إنه عندما أُعرب عن مفهوم «الوجود» فأنا أنظر إليه من منظوري الإيماني الخاصّ وهو توحيد المبدع الأكبر».

 ولكن لننتبه أنها تستخدم الرياضيات الإسلامية والرياضيات التقليدية لتفعيل لغة الاتصال الفني المرئي، وتعمل على تفكيك الزخرفة الإسلامية إلى أنماط جديدة مثيرة بصرياً وممتعة للمشاهدة، كما تفكك الحروف العربية مستنتجة أبعادها الرمزية، ومن ثم تحوّل هذه الرموز إلى خطوط بسيطة، كمادة بناء لتصاميم جديدة.

 وهكذا فإن  لوحاتها تمتاز في فن الخط العربي المجرد بتأرجحها ما بين التقاليد الدينية والرؤية الفنِّية؛ فلا يمكن تحديدها بوضوح في أي من المجالين. أما فنّ الخط بالنسبة لها يعبِّر عن الحياة الروحية، لذلك فهي تؤمن بأنَّ «فنَّ الخط فلسفة وجود، يمكن من خلاله الانفتاح على العالم بأسره».

الخط قمة الفن الاسلامي

لا يغيب عن الأخذ في الاعتبار أن لولوة الحمود تعتبر “إن الخط العربي في قمة هرم الفنون الإسلامية، فهو بدأ وتطور لكتابة النص القرآني المقدس ولم يدخر الخطاطون وسيلة بمحاولاتهم لجعله أجمل ما يمكن ليساوي جمال النص، حيث يمكن للغة أن تنشر مشاعر الحب والغضب والحزن والسلام، فإن هذه القطعة المصمّمة هي محاولة لجمع الجمهور بطريقة تجريدية”.

 وفي الحقيقة تتسم أعمالها بالتجريد والروحانية، فهي تحاور الروح وليس الحس البصري أو المادي، انها تنطوي على فلسفات ورؤى كونية تتعدى الزمان والمكان؛ هل يمكننا أن تستوعب ذلك.  

للحرف والأشكال الهندسية البسيطة التي تبتكرها دلالات عميقة تعبر عن الإيمان بوحدة الوجود، وحدة النظام الهندسي واتساقه الحركي، وعن علاقة الخلق، في معناه الشمولي، بالخالق في هذا الكون… إنها نظرة لا تخلو من الصوفية، ولكنها صوفية ذات منحى خاص يهيء الشكل لأخذ معنى روحي حركي.

القراءة والبحث الفلسفي وأعمالها التي تقول الكثير وتذهب بالمتلقي الى البعيد والعميق والمختلف، وأيضاً البحث في علاقات الكون وقوانينه العلمية، قادتها إلى أن تكون واحدة ضمن فناني العالم المهمين، الذين اُقتنيت أعمالهم في المتاحف العالمية، وكان من ضمنها متحف القارات الخمس في ميونخ بألمانيا، وLACMA بلوس أنجلوس، وجيجو بكوريا الجنوبية.

من ضروريات الحياة

إذن نحن أمام فنانة جديرة بالتوقف عند فنها والتأمل في كل أدواتها وعناصرها وفكرها، وفي كل ذلك سنجدها شديدة السعي  إلى تطوير فنها، سواء فن الحروف الذي يتخذ اللغة العربية ركيزته الأساسية، أو فن التشكيل الهندسي. 

الفن بالنسبة لها ليس هواية عابرة، لكنه “ضرورة من ضروريات الحياة” كما تقول، بل أنها تؤكد “ما ننتجه الآن هو تراث للعالم بعد سنوات”، ولذلك تستهدف من خلال أعمالها التطوير المستمر.

تقول لولوة: “أصبحت مؤمنة بالفن أكثر من أي وقت مضى”، بهذه العبارة أكدت على المكانة التي بدأ الفن التشكيلي في تحقيقها على مستوى البشرية.. وهي تعتبر أن الهندسة تتيح لها التعبير الفني المفاهيمي بشكل أرحب. فعندما نتأمل عمل “الكيان والوجود”، نجد أن الفنانة ناقشت من خلاله العلاقة بين اللغة وحالتنا العاطفية، ليدرس تأثير اللغة بأشكالها المختلفة على الرسائل التي نوصلها، حيث طوّرت الفنّانة شكلاً مجرداً من اللغة المبتدعة من الأبجدية العربية والمتجسِّدة في شكل أنماط هندسية، تأخذ صورة شبكة معقدة ومتماثلة من الرموز والخطوط الدقيقة.

 

في الصور المرافقة جانب من أعمالها التي عرضت في معرض سان بطرسبورغ بروسيا الاتحادية 2019م .

سيرة مختصرة

ولدت لولوة عبدالرزاق الحمود بمدينة الرياض، وحصلت على بكالوريوس في علم الاجتماع من جامعة الملك سعود بالرياض عام 1988 م، وعلى بكالوريوس في تصميم الاتصالات المرئية والتصميم الجرافيكي من الكلية الأمريكية في لندن عام 1997 م . 

وفي عام 2000 م حصلت على درجة الماجستير في تصميم الاتصالات في الفن الإسلامي من كلية الفنون والتصميم بلندن.  من جامعة سانت مارتن المركزية للفنون تخصص الفن الإسلامي، ونسقت العديد من المعارض في دول مختلفة من بينها متحف Duolun في الصين، ومعرض الفن السعودي في SOAS غاليري بروناي، كما اقتنى أعمالها كل من «متحف القارات الخمس» في ميونيخ بألمانيا، ومتحف «LACMA» في لوس أنجليس.

 تعمل مستشارة فنية وخبيرة في الهويات التجارية في لندن، وتتمتع بخبرة عالمية في تقديم الخدمات الاستشارية للمتاحف والمعارض الفنية وكبار الشخصيات والمؤسسات تولت تنظيم فعاليات ثقافية عديدة منذ عام 1999 م، كما أشرفت على معارض فنية في لندن منذ عام 2001 م وعملت على مشروع تعليمي مع متحف لندن عام 2006 م كما أشرفت على أول معرض سعودي للفن المعاصر تحت عنوان إيدج أوف أرابيا عام 2008 م الذي أقيم في غاليري بروناي في لندن.

  شاركت في العديد من المعارض العالمية في لندن وشنغهاي وباريس ولوس أنجلوس، وطرحت أعمالها في مزاد كريستيز بلندن الشهير. كما شاركت في تنظيم معرض «نبط» الشهير في شنغهاي 2010م .

 بِيعت أعمالها في دار كريستيز بدبي وسوذبيز للمزادات بلندن وبونهامز، وهي أعمال مستوحاة من الفنون الإسلامية بالحروف العربية بطرق وتقنيات حديثة ومتطورة، وربما تفتح آفاقاً للحوار والسؤال حول مضامين أعمالها التي تتميز بالتوليف بين الهتدسة والتكوين الجمالي.